Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد ٣٠ حزيران ۲٠١٩

العدد ۲٦

الأحد (۲) بعد العنصرة

اللّحن ١- الإيوثينا ۲

أعياد الأسبوع:  *30: تذكار جامع للرُّسل الإثني عشر ، تذكار جامع للآباء الآثوسيّين *1: الشَّهيدان قزما وداميانوس الماقتا الفضَّة  *2: وضع ثوب والدة الإله في فلاشرنس *3: الشَّهيد ياكنثس، أناطوليوس رئيس أساقفة القسطنطينيَّة *4: القدِّيس أندراوس الأورشليمي رئيس أساقفة كريت، أندره روبلاف *5: البارّ أثناسيوس الآثوسيّ، لمباذوس العجائبيّ *6: سيسوي الكبير (ساسين).

 كلمة الرّاعي

البُنوّة في المسيح

كلّ من اعتمد على اسم الثّالوث القدّوس صار ابنًا لله بالتّبنّي في يسوع المسيح، لأنّ من يعتمد يلبس المسيح. هذا، من ناحية، يعني أنّه يلبس قوّة من العلاء، نعمة الثّالوث القدّوس الّتي تسكن في الإنسان وتجعله شبيهًا بالله في صفاته. من ناحية أخرى، تُحمِّل هذه المعموديّة والنّعمة الّتي ترافقها الإنسان مسؤوليّة كبرى إذ لا يحقّ له بعد أن صار ابنًا لله أن يعود ليصير ابنًا للجسد، لأنّ من وُلد من الله (راجع يوحنّا 1: 13) لا يستطيع، بعدُ، أن يكون ابنًا للّحم والدّم.

*          *          *

في المسيح يسوع، ابن الله المُتجسّد والقائم من بين الأموات، صرنا من أبناء ملكوت السّماوات بسبب تبنّينا من الله في ابنه، ممّا يستتبع أنّنا نحيا بالرّوح القدس، وثمار الرّوح هي: ”مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ، وَدَاعَةٌ تَعَفُّفٌ“ (غلاطية 5: 22 و23). هذه هي صفات الإنسان المسيحيّ. طبعًا، نحن أُعطينا هذه الصّفات في أسرار الدّخول إلى الكنيسة (المعموديّة، المَيرون والمناولة المُقَدّسة) بواسطة روح الرَّبّ الّذي سكن فينا كوننا صرنا على صورة ابن الله. ”النّعمة الإلهيّة الّتي للنّاقصين تُكمِّل“ (من خدمة الرّسامات للدّرجات الإكليريكيّة) سكنت في طبيعتنا البشريّة، لكنّها بحاجة إلى تفعيل لأنّ نعمة الله مرتبطة بمشيئته، ومشيئتنا تحدِّد للنّعمة مجال عملها فينا، لأنّ حياتنا مع الله مبنيّة على مبدأ التّآزر (Synergia) المرتبط بالمشيئة الحُرَّة للإنسان في علاقته مع الرَّبّ.

*          *          *

ما أسهل أن ندّعي بنوّتنا لله بالكلام، ولكن هل نفقه مدى عِظَم هذه المسؤوليّة؟ نعم، إنّها مسؤوليّة أمام الله لأنّنا مؤتمنون على نعمته الإلهيّة وعلى كلمة بشارته. كيف يكون الإنسان ابنًا للرَّبّ وهو لا يصنع أعمال أبيه؟!... ليست المسيحيّة شعارات ومشاعر إنّها إيمان وأفعال تليق بكوننا أبناء الله. وأمّا عمل الله فقد كشفه لنا الرَّبّ يسوع المسيح أنّه عمل الآب، ”لاَ يَقْدِرُ الابْنُ أَنْ يَعْمَلَ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئًا إِلَّا مَا يَنْظُرُ الآبَ يَعْمَلُ. لأَنْ مَهْمَا عَمِلَ ذَاكَ فَهذَا يَعْمَلُهُ الابْنُ كَذلِكَ. لأَنَّ الآبَ يُحِبُّ الابْنَ وَيُرِيهِ جَمِيعَ مَا هُوَ يَعْمَلُهُ ...“ (يوحنّا 5: 19 و20). هكذا نحن نفعل، ما نرى يسوع يعمله نعمله بدورنا بقوّة المسيح الّتي بنعمة الرُّوح القدس السّاكن فينا... ما هو عمل يسوع؟ أن يصنع مشيئة أبيه (راجع يوحنّا 5: 30). وما هي مشيئة الآب؟ ”أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ“ (1 تيم 2: 4). الإنسان المسيحيّ يطلب الحَقّ ويحيا فيه ويسعى إليه عبر طاعة الكلمة الإلهيّة وعيشها بتَنزُّل القوى الثّالوثيّة غير المخلوقة عليه من الآب في الابن بالرُّوح القدس. من هنا، ليست المسيحيّة أخلاقًا بل روحًا محييًا، حياة جديدة في المسيح القائم من بين الأموات والغالب الموت والخطيئة وكلّ شرّ. من صار ابنًا لله في المسيح يموت عن مشيئته وكبريائه وأنانيّته ويسلك في درب المحبّة الّتي علّمنا إيّاها قدوتنا المسيح يسوع الإنسان الوسيط الوحيد بين الله والبشر (راجع 1 تيم 2: 5). من هنا، لا يصير المسيحيّ ابنًا لله ما لم يتشبّه بيسوع، ولا يستطيع أحد أن يتمثَّل بيسوع ما لم يسكن فيه روحه. بناء عليه، بنوّتنا لله هي حياة على شبه حياة ابن الله الوحيد فيما بيننا...

*          *          *

أيّها الأحبّاء، ما معنى هذه الحياة دون المحبّة والسّلام والفرح؟! ... ما قيمة الإنسان لو لم يكن على صورة الله ويسكن فيه روحه؟! ... يا إنسان أنت لست سوى ”تراب ورماد“ (تكوين 18: 27) دون روح الله ... ربُّ السّماء والأرض وخالق الكلّ تنازل ”آخذًا صورة عبدٍ“ (في 2: 7) فمن أنت لتستكبر على الآخَرين أو تظنَّ نفسك أفضل منهم؟! ... أَوَ تعتقد بأنّك أفهم وأجمل وأذكى واغنى وأقوى ... من غيرك ... ما هذا سوى ”قبض الرّيح“ (جامعة 1: 14). ابن الله هو التّقيّ، والأقرب إلى الخالق هو الأتقى، والأتقى هو الأكثر تواضعًا ووداعة، ولا يتواضع إنسان ما لم يدرك هشاشته ومعطوبيّته وبعده كلّ البعد عن صنع مشيئة الله بسبب عبوديّته لأهوائه وغرقه في الخطيئة والحياة الّتي بحسب العالم السّاقط ... من يعرف هذه الأمور عن نفسه ويستكبر؟! ...

اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ ...“ (متى 11: 29).

هذا هو مقياس بنوّتنا لله ...

ومن استطاع أن يفهم فليفهم! ...

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن الأوّل)

إنَّ الحجرَ لما خُتِمَ مِنَ اليَهود. وجَسَدَكَ الطّاهِرَ حُفِظَ مِنَ الجُند. قُمتَ في اليومِ الثّالثِ أَيُّها المُخلِّص. مانحاً العالمَ الحياة. لذلكَ قوّاتُ السّماوات. هتفوا إليكَ يا واهبَ الحياة. المجدُ لقيامتِكَ أَيُّها المسيح. المجدُ لِمُلكِكَ. المجدُ لتدبيرِكَ يا مُحبَّ البشرِ وحدك.

طروباريَّة الرُّسُل ( باللَّحن الثَّالِث)

 أيُّها الرُّسُل القدِّيسون تَشَفَّعُوا إلى الإله الرَّحيم أن يُنْعِمَ بِغُفْران الزَّلات لنُفوسِنا.

القنداق (باللَّحن الثّاني)

يا شفيعَةَ المَسيحيّين غَيْرَ الخازية، الوَسيطةَ لدى الخالِق غيْرَ المرْدودةِ، لا تُعْرضي عَنْ أصواتِ طلباتِنا نَحْنُ الخَطأة، بَلْ تدارَكينا بالمعونةِ بما أنَّكِ صالِحَة، نَحنُ الصّارخينَ اليكِ بإيمان: بادِري إلى الشَّفاعَةِ وأسَرعي في الطّلْبَةِ يا والدَة الإلهِ، المُتشَفِّعَةَ دائمًا بمكرِّميك.

الرّسالة (1 كو 4: 9– 16)

إلى كلِّ الأرض خرج صوتُهم

السّماوات تُذيعُ مجد الله

يا إخوةُ، إنَّ الله قد أبرزَنا نحنُ الرُّسلَ آخِرِي النَّاسِ كأنَّنا مجعولونَ للموت. لأنَّا قد صِرنا مَشهدًا للعالم والملائكةِ والبشر. نحنُ جهَّالٌ من أجلِ المسيحِ، أمَّا أنتمُ فحكماءُ في المسيح. نحنُ ضُعَفاء، وأنتم أقوياءُ. أنتم مُكرَّمون، ونحن مُهانون. وإلى هذه الساعةِ نحنُ نجوعُ ونَعطَشُ ونَعْرَى ونُلطَمُ، ولا قرارَ لنا، ونَتعَبُ عامِلين. نُشتمُ فَنُبارِك. نُضطَّهدُ فنحتمل. يُشنَّعُ علينا فَنَتضَرَّع. قد صِرنا كأقذارِ العالم وكأوساخٍ يستخبِثُها الجميعُ إلى الآن. ولستُ لِأُخْجِلَكُم أكتبُ هذا، وإنَّما أعِظُكُم كأولادي الأحبَّاءِ. لأنَّه ولو كانَ لكم رِبْوَةٌ منَ المُرشِدينَ في المسيح فليسَ لكم آباءُ كثيرون. لأنِّي أنا وَلَدْتُكُم في المسيحِ يسوعَ بالإنجيل. فأطلبُ إليكم أن تكونوا مُقْتَدِينَ بي.

الإنجيل (مت 9: 36، 10: 1– 8)

في ذلك الزَّمان لَمَّا رَأَى يسوعُ جَمعًا كثيرًا تَحَنَّنَ عَلَيْهِمْ، لأنّهُم كَانُوا مُنْزَعِجِينَ وَمُنْطَرِحِينَ مثلَ خِرافٍ لاَ رَاعِيَ لَهَا. حينَئذٍ قال لتلاميذهِ إنَّ الحَصادَ كثيرٌ وأمّا العَمَلَةُ فَقَليلون. فاطلبوا إلى ربِّ الحصادِ أن يُرسِلَ عَمَلَةً إلى حَصادِه. ثُمَّ دَعَا يسوعُ تَلاَمِيذَهُ الاثْنَيْ عَشَرَ وَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا عَلَى الأَرْوَاحٍ النَّجِسَةٍ لكَيْ يُخْرِجُوهَا، وَيَشْفُوا كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضُعْفٍ. وَهذه أَسْمَاءُ الاثْنَيْ عَشَرَ رَسُولًا: اَلأَوَّلُ سِمْعَانُ المَدعوُّ بُطْرُسَ، وَأَنْدَرَاوُسُ أَخُوهُ. ويَعْقُوبُ بْنُ زَبْدِي، وَيُوحَنَّا أَخُوهُ. وفِيلُبُّسُ، وَبَرْثُولَمَاوُسُ، وتُومَا، وَمَتَّى الْعَشَّارُ. ويَعْقُوبُ بْنُ حَلْفَى، وَلَبَّاوُسُ الْمُلَقَّبُ تَدَّاوُسَ. سِمْعَانُ الْقَانَوِيُّ، وَيَهُوذَا الإِسْخَرْيُوطِيُّ الَّذِي أَسْلَمَهُ. هؤُلاَءِ الاثْنَا عَشَرَ أَرْسَلَهُمْ يَسُوعُ وَأَوْصَاهُمْ قَائِلًا: ”إِلَى طَرِيقٍ للأُمَمٍ لاَ تَمْضُوا، وَإِلَى مَدِينَةٍ لِلسَّامِرِيِّينَ لاَ تَدْخُلُوا. بَلِ انطلقوا بِالْحَرِيِّ إِلَى الخِرَافِ الضّالَّة من بَيْتِ إِسْرَائِيل. وَفِي انطلاقِكُم اكْرِزُوا قَائِلِينَ: قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ. اِشْفُوا المَرْضَى. طَهِّرُوا البُرْصَ. أَقِيمُوا المَوْتَى. أَخْرِجُوا الشَّيَاطِينَ. مَجَّانًا أَخَذْتُمْ، مَجَّانًا أَعْطُوا.

حول الإنجيل

دعا الرَّبّ يسوع الدّفعة الأولى من تلاميذه في إنجيل اليوم، سمعان المَدعو بطرس وأندراوس أخاه، يعقوب ابن زبدى ويوحنّا أخاه. إنّ جوهر الموضوع واحد وهو "الدَّعوة لاتّباع يسوع"، وإن اختلفت طريقة السَّرد بين الإنجيليّ متّى والإنجيليّين الآخرين.

نرى التَّلاميذ يُلَبّون دعوة يسوع فورًا، يؤمنون به، يُسْلمون له ويطيعونه واثقين. من تبع يسوع صار تلميذًا له.

 كان التَّلاميذ في وسط عملهم والبحث عن رزقهم وطعامهم الأرضيّ، ومع ذلك لم يشكّوا أو يُرجئوا تلبية الدَّعوة. وكذلك فعل أليشع قديمًا عندما دعاه إيليّا: "...فَمَرَّ إيليّا نحوه ورمى إليه بِرِدائه. فَتَرَكَ البقر وجرى وراء إيليّا..." (3 ملوك 19: 19-21).

 في مكانٍ آخَر في الإنجيل، يطلب إنسانٌ من يسوع أن يدعه يدفن أباه أوّلًا، ولكنّ يسوع لا يقبل بالتَّراجع والتّخاذُل، لأنّه قال: "من وضع يده على المحراث لا يلتفت إلى الوراء" (لوقا 9: 62). دعوة يسوع لا تقبل الجدل، كما رأينا أيضًا في مثل المدعوّين إلى وليمة العرس (متّى 22).

 ترك التَّلاميذ لقمة عيشهم أو باب رزقهم كما نعبر عامّة، لا طمعًا بربح مادّيّ، إذ رأوا ونرى أنّ كلّ من يُريد اتّباع يسوع سيُصادِق الفقر والجوع والعُري واللّطم... (1 كورنثوس 4: 9- 16)، لأنّ الشّيطان في حرب ضدّ أتباع يسوع. وَوَعَدَ يسوع التّلاميذ وكلّ مَن يتبعه بوضوحٍ بعد تعليق بطرس بقوله "ها قد تركنا كلّ شيء وتبعناك"، فأجاب الرَّبّ: "إنّ كلّ من يترك بيتًا أو إخوةً أو أبًا أو أمًّا أو امرأةً أو أولادًا أو حقولًا لأجلي ولأجل الإنجيل، إلّا ويأخذ مئة ضِعف في هذه الحياة وفي الحياة الآتية" (مرقس 10: 29- 30). البشارة بحاجة إلى تكريس ووقت وجهد فيصبح وقت الإنسان مُلكًا لله، وهذا لا يعني أن يتخلّى الرَّجُل عن إعالة عائلته وهَجرِها، بل عندما يتتلمذ الإنسان ليسوع يضع حدًّا لانغماسه في الهموم المعاشيّة والدّنيويّة. إختبار الإثنَيْ عشر هو مثال للمؤمنين الّذين سيسمعون نداء يسوع يدعوهم إلى التّتلمذ له.

يقول الذّهبيّ الفمّ: "كما أنّ كلمات الرَّبّ اصطادت التّلاميذ، كذلك بهذه الكلمات سوف يصطادون غيرهم".

 عبارة "سأجعلكما صيّادي بشر"، كانت تُستعمل في العهد القديم بشكلٍ سَلْبيٍّ كما وردت عند (حبقوق 1: 15- 17)، وإنذار بالعقوبة (إرميا 16: 16). لذلك فإنّ الإثنَيْ عشر بإعلانهم البشارة سيجمعون أناسًا من أجل الدّينونة ودخول ملكوت الله (راجع متّى 13: 47- 50).

التّوبة مع دموع

القدّيس أفرام السّريانيّ (1)

تولّع المؤمنون بكتابات القدّيس أفرام الرّوحيّة. ما يلفت النّظر فيها أوّلًا هو دعوته إلى التّخشّع والتّوبة. والتّوبةُ عنده مرتبطة بالدّينونة والدّموع، بذكر الدّينونة وذرف الدّموع.

هذا لا من أجل تعذيب الذّات، بل من أجل بلوغ الملكوت حسب الوَصيّة الإنجيليّة: "توبوا فقد اقترب ملكوت السّماوات" (متّى 3: 2 و4: 17). فيحذّر الخاطئين من الوقوع في اليأس، بل يحثّهم على التّوبة وعدم فقدان الرّجاء برحمة اللّه.

يقول لهم:

"أرجو من كلّ الّذين يعذّبهم ضميرهم بسبب خطاياهم أن لا ييأسوا... بل أن يُقبِلوا بلا خوف نحو اللّه، أن يبكوا أمامه؛ وأن لا يفقدوا الرّجاء لأنّ الرّبّ يُسرّ كثيرًا بالتّائبين، ويَقبَلُ بفرحٍ عودتهم إليه لأنّه يقول على لسان هوشع: "بعد كلّ هذا عُدْ إليّ"؛ وأيضًا بواسطة الإنجيليّ متّى: "تعالَوا إليّ يا جميع المُتعبين والثّقيليِ الأحمال وأنا أُريحكم" (متّى 11: 28). إذاً لا تيأس أبدًا ولو خطئتَ“.

لكن كيف نتوب؟

التّوبة هي الرّجوع إلى اللّه. هذه المسيرة، مسيرةُ العودة، تتطلّب بُغضَ الخطيئة حتّى بغض النّفس الخاطئة، نبذ الذّات: "إن كان أحدٌ يأتي إليّ... ولا يُبغض حتّى نفسه أيضًا فلا يقدر أن يكون لي تلميذًا" (لوقا 14: 26).

ومن ثمّ التّوبةُ تتطلّب حفظ محبّة الإخوة، الضّعفاء خاصّةً، لأنّ مَنْ عنده محبّة عنده اللّه. وأيضًا تتطلّب التّواضع لأنّ المتواضع شبيه باللّه إلى حدّ أنّه يحزن ويتألّم مع الخاطئ ولا يزدَريه، وهكذا يطهّر نفسه الخاصّة. كلّ هذا وفقًا لما قاله الرّبّ: "كلّ ما فعلتم بإخوتي هؤلاء الصّغار فَبِي فعَلتُموه" (متّى 25: 40). المسألة، مسألة التّوبة، تتطلّب بالطّبع جهدًا لأنّ ملكوت السّماوات يُغتصب اغتصابًا والغاصبون يأخذونه بالقوّة. الحرب مُعلنة ضدّ الأهواء والشّهوات وضدّ مكائد إبليس، لذا يقول القدّيس:"لقد ارتبطنا بشهواتنا كبسلاسل حديديّة. ولا يجاهد أحدٌ لكي يتحرّر منها، بل ينشرح صدره وهو مُقيَّد بها. يا لها من مكائد شرّيرة يحيكها الشّيطان الخبيث؟ كيف استطاع أن يجعل أذهاننا تُظلِم لكي نهتمّ بكلّ ما هو معاكس ونفضّل ما يؤذينا على الخيرات المستقبلة“.

جهادُ التّوبة هذا سوف يؤهّلنا لرؤية المسيح القائم في المجد، إمّا جزئيًّا كما في مرآة عن طريق الصّلاة القلبيّة، صلاة يسوع، وإمّا مباشرةً بعد الاِستنارة. هذا يجعلنا أيضًا نتذوّق، ونحن على الأرض، الملكوت الّذي هو مجدُ المسيح، وهو السّماءُ للّذين أدركوا المحبّة الخالِصَة، فيُرى بشكل نور غير مخلوق؛ والّذين باتوا في الأنانيّة المُدقعة يرون مجد الله كنار غيرِ هيوليّة مُحرقة: هذه هي الجحيم.

حقًّا إنّ الخطيئة مدمِّرة، وصدق من قال في التّراتيل: "رديءٌ هو التّهاون، عظيمةٌ هي التّوبة". مَن يحفر قبره في قلبه يهشّم إنسانَ الخطيئة ويفتح بابَ القيامة. القدّيس أفرام يغسل خطاياه بدموعه فيفرّح قلبه بنعمة الله.

+ قول للقدّيس خرالامبوس الآثوسيّ

على الأهل أن يحملوا أولادهم منذ الصِّغَر على الصَّلاة والاعتراف والحضور إلى الكنيسة والمُناوَلَة المتواترة والصَّوم، وكذلك أن يُعَلِّموهم فضائل الطّاعة والاحترام والعمل والدَّرس. هكذا يتعلّم الأولاد بأنفسهم عن الله ويحلّ عليهم سلامه... إذا شرد الولد في سنِّ المُراهقة عن طريق الرَّبّ يكون الرَّبّ الإله يطلب من الأهل صلاة أكثر. فإن فعلوا عاد مُجدَّدًا حامِلًا للإله.

انقر هنا لتحميل الملف