Menu Close
kanisati

نشرة كنيستي

نشرة أسبوعية تصدر عن أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الأرثوذكس. أعاد إطلاقها الميتروبوليت أنطونيوس في فصح ٢٠١٧.

الأحد ٩ حزيران ۲٠١٩

العدد ۲٣

أحد (٦) بعد الفصح (آباء المجمع المسكونيّ الأوّل)

اللّحن ٦- الإيّوثينا ١٠

أعياد الأسبوع: *9: الآباء ال٣٨ المُتَوّشِّحين بالله المُجتمعين في نيقية، كيرلّس رئيس أساقفة الإسكندريَّة *10: الشَّهيدان ألكسندروس وأنطونينا *11: الرَّسولان برثُلماوس أحد اﻟ ١۲ وبرنابا أحد اﻟ ٧٠، إيقونة بواجب الإستئهال *12: البارَّين أنوفريوس المصريّ، بطرس الآثوسيّ *13: الشَّهيدة أكيلينا *14: وداع عيد الصُّعود، النَّبيّ أليشع، مثوديوس رئيس أساقفة القسطنطينيَّة *15: سبت الرّاقدين، النَّبيّ عاموس، البارّ إيرونيمس.

كلمة الرّاعي

أنا قد مُجِّدْتُ فيهم 

تُعيّد الكنيسة المُقدّسة لآباء المجمع المَسكونيّ الأوّل الّذي انعقد في نيقية سنة ٣۲٥ م. التأم في هذا المَجمع ٣١٨ من آباء الكنيسة، عددٌ كبيرٌ منهم كانوا من المُعترفين الّذين عُذّبوا من أجل الإيمان وثبتوا في حفظه مُتحمِّلين الآلام ومُكابِدين التّنكيل بهم.

مِنَ القدّيسين الّذين شاركوا في هذا المجمع، نيقولّاوس واسبيريدون العجائبيَّين وأثناسيوس الكبير وغيرهم كثيرين من الّذين مُجِّد المسيح فيهم، في حياتهم، في تعليمهم، في خدمتهم.

*    *    *

مَن نَدعوهم آباءً في الكنيسة هم مُعلّمي الإيمان. قوّةُ التّعليم تأتي من روحِ الرَّبّ الّذي ينطقُ فيهم الكلمة مُجَسَّدةً في حياتهم أيقونةً للكلمةِ- الإله. مَن يغلبُ نفسَهُ عبرَ تسليمِ المَشيئة الذّاتيّة إلى طاعةِ إرادة الثّالوث القدّوس الآتية منَ الآب بالابن المُتجسّدِ في الرُّوح القُدُس، يَصيرُ مَطرَحًا لتجَلّي مَجدِ الله وحُبِّهِ وحَنانِهِ وحَقّهِ ونورِهِ وتَواضعِهِ...

الظّروف الّتي عاشها آباءُ المَجمع المَسكونيّ الأوّل مِن صراعٍ ضِدَّ الآريوسيّة كانت استمرارًا لزمنِ شهادةِ الدّم. إبليس إذ فَشِلَ من خلال الاضطهادات أن يُدمِّر الكنيسة تَحوَّلَ إلى حربٍ أخرى عليها بواسطةِ تشويهِ حقيقةِ الإيمانِ مِن خلالِ البِدَع والهرطقات الّتي كان يَبُثُّها في المُستَكبرين...

الحَربُ الأصعب الّتي يُواجهُها المؤمن ليست هي شهادَةُ الدّم بأن يُقتَلَ لأجلِ استقامةِ الإيمان، بَل أن يُستَشهَدَ كلّ اليوم لأجل المُحافظة على نَقاوَةِ إيمانِهِ والثَّباتِ فيه. هذه هي الحرب الأكثر شُيُوعًا واليوميّة الّتي يَعيشها المُؤمِن. يقول أحدُ الآباء: "أعطِ دَمًا وخُذْ روحًا". المَقصود بهذه المَقولَة أنّ المؤمِنَ الحَقّ قادِرٌ أن يَسفُكَ دَمَهُ روحيًّا لكي يقتني الرّوحَ القُدُس. هذا يَعني أنّه مُستعدٌّ أن يَموتَ عن ذاتِه كلِّ مشيئاتِهِ طاعَةً للكلمةِ الإلهيّة بروحِ الرَّبّ.

*    *    *

آباءُ الكنيسةِ اختَبَروا حقيقةَ المَوتِ عن العالَم حُبًّا بالمَسيحِ قاتِلينَ فيهِم كلّ ما يُحارِبُ الكلمَة على صخرَةِ الكَلمة، أي أنَّهُم حارَبوا في ذَواتِهِم كُلَّ نِيَّةٍ و/ أو فِكْرٍ  يُحارِبُ الله أي يُحاوِلُ أن يَدفَعَهم كثيرًا أو قليلًا بَعيدًا عن الرَّبّ.

الإنسان الّذي يُجاهِد روحيًّا يكونُ حازِمًا صارِمًا شديدًا عنيفًا مع ذاتهِ بإزاءِ أهوائهِ، لا يَتساهَل ولا يَتهاوَن في مُحارَبَةِ كُلِّ ما يُثنيهِ عن عَزمِهِ في السّلوك بحسبِ المشيئةِ الإلهيّة. المُجاهِد الحَقِّ لأجلِ الرَّبّ "يُخضِعُ كُلَّ فكرٍ لطاعَةِ المسيح" (۲ كو ١٠: ٥).

*    *    *

أيّها الأحبّاء، لم يَنتَهي زَمَنُ الآباء. الكنيسة ولّادَةٌ بِزرعِ الكلمة الإلهيّ في الرّوح القُدُس لمؤمنين على شبهِ صورةِ المسيح، حاملينَ في ذَواتِهم وتَعليمِهم وحياتِهِم لسِرِّ الإيمان بالإله المحبَّة المُثلّث الأقانيم في استعلانِ ابنِ الله المتجسّد، الإله التّام والإنسان التّام بنعمةِ الرّوح القُدُس الّذي يَنبُعُ من المسيح في المؤمن ليُرَوّي العَطشى إلى الحقّ في استقامَة العَقيدَة المُترجَمَة حياةً عَبرَ تَجَلّي الألوهَةِ في الإنسانِ المُتَّحِد بالرّبّ يسوع المسيح.

هذه غايةُ حياتِنا، أن نتألّه. لولا التّجسُّد لم يتألَّه الإنسان. المسيح يسوع الإنسان هو باكورة البشريّة الجديدة الّتي تسكُنُ فيها الألوهَةُ لمجدِ الله في خليقتِهِ ولخلاصِ العالم بِرُمَّتِهِ بحسب وَعْدِ الرَّبّ الإله الصّادِق.

ومَن استطاعَ أن يَقبَل فَليَقبَل!

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريَّة القيامة (باللَّحن السَّادِس)

إنَّ القوَّاتِ الملائكيَّة ظَهَرُوا على قبرِكَ الـمُوَقَّر، والحرَّاسَ صاروا كالأموات، ومريمَ وَقَفَتْ عندَ القبر طالِبَةً جسدَكَ الطَّاهِر، فَسَبَيْتَ الجحيمَ ولم تُجرَّبْ منها، وصادَفْتَ البتولَ مانِحًا الحياة، فيا مَنْ قامَ من بين الأمواتِ، يا ربُّ المجدُ لك.

طروباريَّة الآباء (باللَّحن الثَّامِن)

 أنتَ أيُّها المسيحَ إلهُنا الفائِقُ التَّسبيح، يا مَنْ أَسَّسْتَ آباءَنا القدِّيسينَ على الأرضِ كواكِبَ لامِعَة، وبهم هَدَيْتَنَا جميعًا إلى الإيمانِ الحقيقي، يا جزيلَ الرَّحمةِ المجدُ لك.

طروباريَّة الصُّعود (باللَّحن الرَّابِع)

صَعِدْتَ بمَجْدٍ أيُّها المسيحُ إلهُنا، وفرَّحْتَ تلاميذَك بموعِدِ الرُّوح القُدُس، إذ أيقَنُوا بالبَرَكَة أنَّكَ أَنْتَ ٱبنُ اللهِ المنْقِذُ العالَم.

القنداق (باللَّحن السَّادِس)

 لـمَّا أَتْمَمْت التَّدبيرَ الَّذي من أجلِنا، وجعلتَ الَّذين على الأرض مُتَّحِدِينَ بالسَّمَاوِيِّين، صَعِدْتَ بمجدٍ أَيُّهَا المسيحُ إلهُنا غيرَ مُنْفَصِلٍ من مكانٍ بل ثابتًا بغيرِ ٱفتِرَاق وهاتِفًا: أنا معكم وليسَ أحدٌ عليكم.

 

الرّسالة (أع 20: 16– 18، 28– 36)

مُبَارَكٌ أَنْتَ يا رَبُّ إلهُ آبائِنَا            

فإنَّكَ عّدْلٌ في كلِّ ما صَنَعْتَ بِنَا

في تلكَ الأيَّامِ ارتأَى بولسُ أنْ يتجاوَزَ أَفَسُسَ في البحرِ لِئَلَّا يعرِضَ له أن يُبْطِئَ في آسِيَةَ. لأنَّه كان يَعْجِلُ حتَّى يكون في أورشليم يومَ العنصرةِ إِنْ أَمْكَنَهُ. فَمِنْ مِيلِيتُسَ بَعَثَ إلى أَفَسُسَ فاسْتَدْعَى قُسوسَ الكنيسة. فلمَّا وصَلُوا إليه قال لهم: ﭐحْذَرُوا لأنفُسِكُم ولجميعِ الرَّعِيَّةِ الَّتي أقامَكُمُ ﭐلرُّوحُ القُدُسُ فيها أساقِفَةً لِتَرْعَوُا كنيسةَ اللهِ الَّتي ﭐقْتَنَاهَا بدمِهِ. فإنِّي أَعْلَمُ هذا، أَنَّهُ سيدخُلُ بينَكم بعد ذهابي ذئابٌ خاطِفَةٌ لا تُشْفِقُ على الرَّعِيَّة، ومنكم أنفُسِكُم سيقومُ رجالٌ يتكلَّمُون بأمورٍ مُلْتَوِيَةٍ لِيَجْتَذِبُوا التَّلامِيذَ وراءَهُم. لذلكَ، ﭐسْهَرُوا مُتَذَكِّرِينَ أَنِّي مُدَّةَ ثَلاثِ سنينَ لم أَكْفُفْ ليلًا ونهارًا أنْ أَنْصَحَ كلَّ واحِدٍ بدموع. والآنَ اَسْتَوْدِعُكُم يا إخوتي اللهَ وكلمةَ نعمَتِه القادِرَةَ أَنْ تبنيكُم وتَمْنَحَكُم ميراثًا مَعَ جميعِ القدِّيسين. إنِّي لم أَشْتَهِ فِضَّةَ أَحَدٍ أو ذَهَبَ أو لِبَاسَ أَحَدٍ، وأنتم تعلَمُونَ أنَّ حاجاتي وحاجاتِ الَّذين معي خَدَمَتْهَا هاتان اليَدان. في كلِّ شيءٍ بَيَّنْتُ لكم أنَّه هكذا ينبغي أن نتعبَ لنساعِدَ الضُّعَفَاء، وأن نتذكَّرَ كلامَ الرَّبِّ يسوعَ. فإنَّه قال: إنَّ العطاءَ مغبوطٌ أكثرَ من الأَخْذِ. ولـمَّـا قال هذا جَثَا على رُكْبَتَيْهِ مع جميعِهِم وصَلَّى.

 

الإنجيل  (يو 17: 1– 13)

في ذلكَ الزَّمان رَفَعَ يسوعُ عَيْنَيْهِ إلى السَّماءِ وقالَ: يا أَبَتِ قد أَتَتِ السَّاعَة. مَجِّدِ ٱبْنَكَ لِيُمَجِّدَكَ ٱبنُكَ أيضًا، كما أَعْطَيْتَهُ سُلطَانًا على كُلِّ بَشَرٍ ليُعْطِيَ كُلَّ مَن أعطيتَه لهُ حياةً أبديَّة. وهذه هي الحياة الأبديَّةُ أن يعرِفُوكَ أنتَ الإلهَ الحقيقيَّ وحدَكَ، والَّذي أرسلتَهُ يسوعَ المسيح. أنا قد مجَّدْتُكَ على الأرض. قد أَتْمَمْتُ العملَ الَّذي أعطَيْتَنِي لأعمَلَهُ. والآنَ مَجِّدْني أنتَ يا أَبَتِ عندَكَ بالمجدِ الَّذي كانَ لي عندَك من قَبْلِ كَوْنِ العالَم. قد أَعْلَنْتُ ٱسْمَكَ للنَّاسِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَهُمْ لي مِنَ العالم. هم كانوا لكَ وأنتَ أعطيتَهُم لي وقد حَفِظُوا كلامَك. والآنَ قد عَلِمُوا أنَّ كُلَّ ما أعطَيْتَهُ لي هو منك، لأنَّ الكلامَ الَّذي أعطَيْتَهُ لي أَعْطَيْتُهُ لهم. وهُم قَبِلُوا وعَلِمُوا حَقًّا أَنِّي مِنْكَ خَرْجْتُ وآمَنُوا أنَّك أَرْسَلْتَنِي. أنا من أجلِهِم أسأَلُ. لا أسأَلُ من أجل العالم بل من أجل الَّذينَ أَعْطَيْتَهُم لي، لأنَّهم لك. كلُّ شيءٍ لي هو لكَ وكلُّ شيءٍ لكَ هوَ لي وأنا قد مُجِّدتُ فيهم. ولستُ أنا بعدُ في العالم وهؤلاء هم في العالم. وأنا آتي إليك. أيُّها الآبُ القدُّوسُ ٱحْفَظْهُمْ بـٱسمِكَ الَّذينَ أعطيتَهُمْ لي ليكُونُوا واحِدًا كما نحنُ. حينَ كُنْتُ معهم في العالم كُنْتُ أَحْفَظُهُم بٱسمِكَ. إِنَّ الَّذينَ أَعْطَيْتَهُم لي قد حَفِظْتُهُمْ ولم يَهْلِكْ منهم أَحَدٌ إلَّا ٱبْنُ الهَلاك لِيَتِمَّ الكِتَاب. أمَّا الآنَ فإنِّي آتي إليك. وأنا أتكلَّمُ بهذا في العالَمِ لِيَكُونَ فَرَحِي كامِلًا فيهم.

 

حول  الإنجيل

"هذه هي الحياة الأبديّة أن يعرفوكَ أنتَ الإله الحقيقيّ وحدك ويسوع المسيح الّذي أرسلته" (يو 3:17).

هذا ما قالَهُ الرَّبّ يسوع وسمعه التّلاميذ. نفهم من هذا الكلام أنّ الحياة الأبديّة ليست: - أوّلًا: لأنّني أخاف من العقاب الأبديّ أجاهد وأفعل الخير؛

- ثانيًا: لأنّي أريد أن أدخل ملكوت الله (أي أن أتنعّم بالخيرات) أجاهد وأفعل الخير. إنّما الحياة الأبديّة هي أن أعرف الإله الحقيقيّ، الآب والابن والرُّوح القُدُس.

كيف أستطيع أن أعرف هذا الإله الحقيقيّ؟ من يستطيع أن يُرشدني إليه؟ هذا يستطيعه من عرف الله فعليًّا أي خَبِرَ حضوره في حياته وليس من عرفه نظريًّا. الأوّل يستطيع أن يخبرني عن الله ويرشدني إليه، أمّا الثّاني، حتّى لو حَمِلَ شهادات عدّة في اللّاهوت، لا يستطيع أن يرشدني إلى الله، لأنّه يعرف عن الله وليس الله.

هذا يقودنا إلى سؤالٍ ثانٍ: من هم هؤلاء الّذين لديهم هذه المعرفة والخبرة مع الله؟ إنّهم القدِّيسون. أقوالهم، أفعالهم، وما اختبروه في حياتهم كلّها هو دليلٌ يساعدنا في جهاداتنا الرُّوحيّة. لذلك يا إخوة نحن نُعيِّد اليوم لآباء المجمع المسكونيّ الأوّل المُنعقِد في نيقية، هؤلاء الآباء القدّيسون الّذين حافظوا على عقيدتنا سليمة صحيحة. دافعوا عنها، واضطُهدوا واستشهدوا من أجلها، منهم مَن كان غير مُتعلّم كالقدّيس اسبيريدون العجائبيّ ومنهم مَن كان مُثقّف كالقدّيس أثناسيوس الكبير.

يتباهى بعضنا ويُردِّد مثل هذه العبارات: " أنا لديّ مَعلومات كثيرة عن الله"، "أنا أعرف الإيمان المسيحيّ"، "أنا أعرف الله"، وهذا معناه أنّ حياتنا يجب أن تكون حياة قداسة مثل الّذين نُعيّد لهم اليوم، حيث الله يحكم في داخلنا وليس الكتاب كما يقول القدّيس سمعان اللّاهوتيّ. وإلّا، فلنلزم الصَّمْت ونَسمع ونُطيع ما تقوله لنا الكنيسة المُستقيمة الرَّأي، لأنّ هؤلاء القدّيسون أطاعوا الكنيسة - قبلَ أن يختبروا حضور الله في حياتهم- حتّى رقادهم، لأنهّ ليس هناك من طريقة أخرى لمعرفة الإله الحقيقيّ، الآب والابن والرُّوح القُدُس، آمين.

 

في التّوبة والصّلاة وفي الجهاد أيضًا

(للقدّيس إسحق السّريانيّ)

مضمون هذه المقالة هو ضرورة معرفة حاجتنا إلى التّوبة في كلّ ساعة من ساعات اللّيل والنّهار. إنّ مفهوم التّوبة كما عرفناه من الوجه الصّحيح للأمور هو التّالي: ابتهالٌ دائمٌ إلى الله بصلاةٍ مليئة بالخشوع التماسًا من الله غفران الخطايا الماضية، وحزن للاحتراس مِمّا سيأتي. ولكي يُشدّد الرَّبُّ ضعفنا أثناء الصّلاة قال: "اسهروا وصلّوا لئلّا تقعوا في تجربة" (مت ٢٦: ٤١). فصلّوا ولا تملّوا واسهروا كلّ حين متضرّعين. وقال أيضًا: "اسألوا تعطوا، اطلبوا تجدوا، دقّوا الباب يُفتح لكم، فمن يسأل ينل ومن يطلب يجد ومن يدقّ الباب يُفتح له" (مت ٧: ٧). وقد ثبّتَ لنا هذا القولَ وأكّده في مَثَلِ الّذي ذهبَ إلى صديقه في نصف اللّيل وطلب منه خبزًا حين قال: أقول لكم إن كان لا يَقوم ويُعطيه لأنّه صديقه، فهو يقوم ويُعطيه كلّ ما يحتاج إليه لأنّه لَجَّ في طلبه (لو ١١: ٨). أمّا أنتم فصلّوا ولا تتهاونوا. يا للثّقة الّتي لا توصف! إنّ الواهب يحثّنا على الطّلب لكي يُعطينا المواهب الإلهيّة. فإذا كان هو نفسه الّذي يدبّر كلّ ما هو نافع لنا، فإنّ أقواله هذه (الّتي تحثّنا على الطّلب) إنّما هي بالأحرى مليئة بما يشجّعنا على اليَقين بها. وإذ يعلم أنّ التّوبةَ لا تتوقّف إلّا بالموت، وأنّ التّحوّل، أي الانتقال من الفضيلة إلى الرّذيلة سهل جدًا، وأنّ طبيعة الإنسان قابلة لما هو مُضادٌ، فقد حثّنا على الاجتهاد والجهاد في التّضرّع المُستديم. فلو كان بلد اليقين موجودًا في هذا العالم، لأصبح الإنسان، متى بلغه، منزّهًا بطبيعته عن الاحتياج، ولأصبح عمله خاليًا من الخوف... الرَّبُّ يحثّنا على الجهاد في الصَّلاة كما مارسها هو  في عمل تدبيره. إنّ القدّيسين في الدّهر الآتي لا يقدّمون صلوات لله بمثابة مطالب، لأنّنا متى بلغنا بلاد الحرّيّة تلك، ستغدو طبيعتنا منزّهة عن كلّ تغيّر ومَيَلان – آتٍ من هَوْلِ المُضادّات – يُصبح الكلّ كامِلًا. لذلك ينبغي ألّا يقتصر جهادنا على الصّلاة وحفظ الذّات، بل أن نسعى لفهم ما هو رَهيفٌ وغير مدرَك من الأمور الّتي تعترضنا باستمرار والّتي يعجز ذهننا عن معرفتها ونقع فيها غالبًا ودَوْمًا رُغمًا عنّا حتّى ولو كان عقلنا تاليًا ومُحبًّا للصّلاح.

إنّ هذا العالم هو مكان جهاد، وهذا الزّمن هو أوان الصّراع، وحيث الصّراع والجهاد يوجد ناموس، لأنّ الملكَ لا يضع شروطًا على جنوده قبل أن ينتهي الجهاد ويجتمع الكلّ أمام بابه، ويُعرف عندئذ من صمد في المعركة ولم يقبل الهزيمة مِمَّن أدار ظهره وولّى هاربًا. وقد يحدث أحيانًا أن يكون إنسانٌ مرميًا ومثخنًّا بالجراح، لم يتروّض البَتَّة ولا ينفع لشيء، إلاّ أنّه ينهض فجأة ويختطف العَلَم من جيش أبناء العمالقة فينال شهرة ويُمتدح أكثر من المجاهدين الماهرين في الانتصار بالمعارك، ويحصل على الإكليل والجوائز الثّمينة بما يفوق الجميع. لذلك يجب علينا ألّا نيأس وألّا نُهمِل الصّلاة وألّا نتكاسل في طلب المَعونَة من الله.

ويجب أن نتذكّر دائمًا أنّنا ولو صعدنا إلى أعالي السَّمواتِ فلن نستطيع البقاء دون عملٍ أو اهتمامٍ ما دمنا نحيا بالجسد في هذا العالم. هذا هو الكمال. وكلّ ما زاد على هذا فهو كلام باطل.

أمّا إلهُنا فله المَجد والعزّة والجلال إلى الدّهور، آمين.

 

أقوال للقدّيس سلوان الآثوسيّ

* في اللّحظَة الّتي يتوب فيها الإنسان الرَّحوم، يغفُر له السَّيِّد الخطايا.

* عندما تُصلّي من أجل أعدائك يَحُلُّ السَّلام فيك، وعندما تُحِبُّ أعدائك اعرَف أنّ نِعْمَةً عظيمةً تسكن فيك.

* إذا أغضبكم أحدٌ أو أحزنكم أو احتقركم أو إذا أخذا منكم ما تملكونه أو إذا اضطهد الكنيسة فصَلّوا للسَّيِّد قائلين:

يا سَيِّد نحن كلُّنا خليقتك فأشفق على عبيدك وحَوِّلهُم إلى التَّوبة.

* إنّ الّذي يعرف كيف يَتَّكِل على المَشيئة الإلهيّة حتّى لا يحزن مِنْ أيّ شيء لو كان مريضًا فقيرًا أو مضطهدًا لأنّ النَّفس تعرف أنّ السَّيِّد يهتمُّ بنا بِحُنُوٍّ. إنّ العمل الأهمّ بالنِّسبَة للإنسان هو الاتّكال على المَشيئة الإلهيّة وتَحَمُّل التَّجارِب برَجاء، وإذ يَرى الرَّبّ ألمَنَا لن يُكلِّفنا أبدًا أكثر مِنْ طاقتنا، وإن بانت آلامنا ثقيلة فهذه هي العلامة أنّنا غير مُتَّكِلين بعد على المشيئة الإلهيّة.

انقر هنا لتحميل الملف